الثقافة الأخلاقية
لا يكاد يختلف اثنان على تردي الأخلاق في مجتمعنا العربي، سواء على صعيد تزايد معدلات الجريمة أو قيادة السيارة في الشارع، وعدم احترام القوانين بشكل عام. ومما لا شك فيه أن الحكومات العربية مسؤولة عن هذا التدهور، دون أن نبرئ ساحة الشعب نفسه، ولكن في الدولة القانونية يأتي تطبيق القانون على رأس الأولويات الاجتماعية على المستوى الأخلاقي. والسياسة، كما يقول الفقيه ابن قيّم الجوزية، هي الحزم. وهذا الحزم من قبل حكوماتنا العربية لا يظهر إلا نادراً وفي أضيق نطاق. ولكن إذا ما تركنا مشكلة تطبيق القانون جانباً، سنجد أن بعض الأفراد لا يمارسون سلوكاً أخلاقياً سواء على المستوى الشخصي أو المستوى العام، مع ملاحظة تنامي الجانب الديني على المستويين، وما أكثر الذين يخالفون قانون المرور. إذن نحن أحوج ما نكون إلى الثقافة الأخلاقية في مناهجنا التعليمية، لكي يتعلم الطفل من البدايات الأولى للتعليم الإلزامي أهمية وضرورة احترام القوانين. ولهذا، لست من الذين يؤيدون قول أمير الشعراء: وليس بعامر بنيان قوم *** إذا أخلاقهم كانت خرابا
لأنه ببساطة من الممكن تعليم الأخلاق من خلال منهج دراسي علمي، ودون أن ننفي مسؤولية الأسرة في هذا الموضوع. فالطفل الذي يرى والده وهو يرمي القاذورات من السيارة لا يمكن أن يتعلم أهمية احترام القانون، لكن لو كانت هناك مراقبة وعقاب لما قام به هذا الوالد، لما قام بمثل هذا العمل اللاأخلاقي.
وإذن، فنحن أمام قضية وطنية في المقام الأول، تتحمل فيها الحكومة القائمة على تطبيق القانون المسؤولية الأولى لإشاعة روح احترام القانون بين الناس. وقديماً قيل: \"العلم في الصغر، كالنقش في الحجر\"، وإذا ما تلقى الطفل في بداية حياته، ومن خلال التعليم أهمية احترام القانون، فإنه سيعمل على تطبيق ذلك في سلوكه اليومي، وأيضاً دون أن ننفي حقيقة النفس الأمَّارة بالسوء. ولكن كل شيء ممكن من خلال التعليم. وقد قرر الفيلسوف العظيم أفلاطون منذ القرن الخامس قبل الميلاد أهمية التعليم ودوره في تشكيل شخصية الطفل، وللأسف أن مناهجنا التعليمية تخلو من مقرر دراسي حول الثقافة الأخلاقية.
في هذا المقرر، ينبغي المزج بين الجانب الديني والدنيوي، فالدين الإسلامي يمثل جزءاً مهماً في سلوكيات الإنسان المسلم، وهو يمثل له هوية خاصة خلافاً لكل الشعوب الأخرى. وما أكثر الأمثلة التي يمكن استقاؤها من القرآن الكريم والسيرة النبوية والتاريخ الإسلامي بشكل عام. وتضاف إلى الجانب الديني، ثقافة تعليم دور القانون وأهميته في الحياة، من خلال تعليم الأطفال والكبار الجانب الفلسفي لقضية دور القانون في حفظ حياة الإنسان وضرورة تطبيقه في الممارسات الحياتية. ولكن ما لم يترافق تعليم هذا المنهج الدراسي مع ما يشاهده الطفل في الواقع، فإن كل الجهود ستضيع، ولا تعود هناك فائدة من التعليم. ولهذا نقرر أهمية الحزم في تطبيق القانون. فالأخلاق عامل مساعد على المستوى الشخصي، والحزم في تطبيق القانون عامل رئيسي لنشر ثقافة أهمية احترام القانون في المجتمع، وقديماً قيل: \"من أمن العقوبة، أساء الأدب\".
ومما سبق، يمكن القول إن عدم شيوع روح النظام في النظام السياسي في التراث العربي القائم على نظرية الغنيمة والأهل، كما يرى علماء علم الاجتماع، يدفع الإنسان العربي إلى عدم التمسك بالأخلاق على المستوى العام. وكل باحث في تاريخ هذه الأمة لا يمكنه إلا أن يلاحظ موقف المسلمين من أهمية فكرة القانون، بل إن بعض العصور السابقة لم يشهد تطبيق القانون بشكل منظم، وإن كان التراث لا يخلو من بعض الأمثلة المتناثرة هنا أو هناك، إلا أن الدولة الوطنية الحديثة بحاجة إلى المؤسسة القانونية لفرض الجانب الأخلاقي على الناس حين يمارسون حياتهم.